دائما ما توجد هناك حاجة إلى مساحة اكبر من القيادة الجيدة، ولا شك ان العالم الآن يشهد نقصاً في موضوعة القيادة في عموم جوانب المجتمع ـ ضمن إطار المؤسسات، والحكومات، والمجتمعات. ولذا نلاحظ ان وسائل الإعلام في كل يوم تقريبا تشير إلى النقص الملحوظ في عدد القادة الاكفاء لمواجهة تحديات تنوع القوى العاملة، والمنافسة العالمية، والاقتصاد المتقلب.
وبهدف تلبية الطلبات المتزايدة على القادة المؤهلين الأكفاء، تحرص المؤسسات على تنمية وتطوير قادة من الداخل بدلاً من استقطاب قادة من الخارج. وبهدف تحقيق ذلك، تحاول المؤسسات التعرف على الموظفين ممن يتمتعون بمقدرات وكفاءات عالية والذين لديهم الخصائص والمهارات والقابليات التي تنسجم وتتناغم مع القيم المؤسسية وفلسفة القيادة، ومن ثم إعطائهم التدريب والتوجيه والخبرات التي يحتاجونها لمساعدة المؤسسات في تحقيق النجاح. غير ان معظم المؤسسات لا تمتلك عملية واضحة ومحددة لتطوير الجيل القادم من القادة.
ان تحريك وتطوير الحاجة إلى أنظمة مرنة للتطوير القيادي يمثل تركيز المؤسسات على تفصيل وتوضيح وصياغة الإستراتيجية وتنفيذها. وفي هذا الزمن المتسارع الخطى، نشأت ضرورتان أساسيتان للتطوير القيادي وهما: أولا، لابد للإدارة التنفيذية، التي تمثل صوت الإستراتيجية، ان تلعب دورا ملموسا وفعالا في بناء وتطوير قادة المستقبل؛ وثانيا، يجب ان تكون سلوكيات القيادة منسجمة مع هذه الاستراتيجيات الجديدة من اجل الإبقاء على تركيز كل من الموظفين والمؤسسة على تحقيق النجاح. وقد أخذت نماذج الجدارة للقادة تصبح أكثر تركيزا ومن السهل تحديد أولوياتها كي تلائم الاحتياجات المتغيرة للمؤسسة.
على انه في بعض الحالات، نلاحظ ان الجهود في بناء قادة المستقبل، كمنهجية، تتداخل وبشكل متزايد مع أنظمة إدارة المواهب الأخرى، وخصوصا إدارة الأداء وتخطيط التعاقب الوظيفي. ان بناء القوة المعيارية القيادية يشكل تحدي واسع يقتضي من المؤسسات الابتعاد عن التعامل مع المجال كتوجّه مستقل؛ وكلما كان بالإمكان موائمة وتوحيد المنهجية بسهولة مع أدوات إدارة مواهب أخرى، كلما كانت القابلية أقوى في نمو عمل المؤسسة.
ولا زالت المؤسسات تتلكأ في قدرتها على تقييم العائد عن استثماراتها في مجال التطوير القيادي. وتعمد معظم المؤسسات إلى تقييم نتائج تطوير القيادة بصفة رسمية وغير رسمية، مع إعطاء تأكيد قليل جدا على ربط المبادرات بنتائج أعمال الخط الأسفل من العمل. غير ان المؤسسات المتميزة في الأداء اليوم تربط المنهجية بالنتائج المؤسسية؛ ويمكن لهذه الجهود ان تدل على وعي ومعرفة اكبر بالأهمية، حسب ما تحدده النتائج المتوقعة، في بناء قادة المستقبل على كافة مستويات المؤسسة.
الغرض
يلعب القادة دور حاسم ومهم في ضمان النجاح المستقبلي للمؤسسة واستدامتها؛ فهم يتحملون مسؤولية اكبر في توجيه ورسم اتجاه المؤسسة، ويتوجب عليهم ان يتأكدوا من وجود كل المكونات الرئيسية الأخرى لنجاح المؤسسة، مع ضرورة موائمتها بشكل مناسب وعملها الكفوء، علما ان احد التناقضات في التخطيط الاستراتيجي للقيادة هو التأكد من فهم القادة لدورهم الأساسي في الإدارة الإستراتيجية لرأس المال البشري. وجدير بالذكر ان قادة المؤسسة، وحتى أكثر من محترفي الموارد البشرية الذين يدعمونهم، يجب ان يعملوا وبفاعلية على إدارة القوى العاملة التي يقودونها من اجل ان يتسنى تحقيق رسالة المؤسسة.
وهكذا فان منهجية بناء قادة المستقبل تساعد في ضمان امتلاك المؤسسة لما يكفي من القادة ذوي القابليات المناسبة للاستمرار في تحقيق الأداء المؤسسي الاستثنائي بما ينسجم مع الرسالة والأهداف الإستراتيجية، اليوم وفي المستقبل.
وفوق كل ذلك، توجد هناك ثلاثة أغراض مشتركة من شأنها ان توجّه عملية تطوير قادة المؤسسة:
1. تحسين الأداء
تحتاج المؤسسة إلى قادة على درجة كبيرة من الفاعلية في أدوارهم الحالية، ولذلك تقوم المؤسسة بالاستثمار في الاستراتيجيات والتكتيكات لتطوير القادة في هذا المجال. فعلى سبيل المثال، انها قد توفر للمشرفين الجدد تدريب خاص يساعدهم في تحسين فهمهم لدورهم الجديد وتطوير المهارات في ذلك الدور؛ أو انها قد تعمد إلى عملية إدارة الأداء التي من شأنها التعرف على الكيفية التي يمكن من خلالها للقادة الأفراد ان يكونوا أكثر فاعلية وان يساعدونهم في تطوير خطة للتحسين الفردي.
2. إدارة التعاقب الوظيفي
تحتاج المؤسسات إلى بعض القادة الذين بمقدورهم مواجهة الصعوبات والتعقيدات والعمل ضمن مناصب أو وظائف إدارية عالية المستوى- بمعنى انها تحتاج إلى بعض القادة الذين يستطيعون وبفاعلية الارتقاء بالسلّم الوظيفي في المؤسسة. وهكذا تحرص المؤسسات على الاستثمار في التعرف على القادة ذوي الإمكانيات والمؤهلات الكبيرة، وإعطائهم اهتمام تطويري إضافي. وعندما يكون هذا الغرض هو الأهم، فان المتعاملين في المؤسسة يتحدثون حول الحاجة إلى قوة معيارية (أشخاص جاهزون ومستعدون لإشغال مناصب ووظائف معينة ومستويات خاصة في المؤسسة).
3. التغيير المؤسسي
دائما ما تقوم المؤسسات بتكييف نفسها كي تبقى في وضع تنافسي وفق ما يتماشى مع إستراتيجية الأعمال لديها. وقد اعتمدت الكثير من المؤسسات استراتيجيات من شأنها ان تؤكد على النمو من خلال الاكتسابات، أو الأسواق الجديدة، أو الإبداع، أو العولمة، أو الكفاءة التشغيلية. ومن الناحية النموذجية، فان مبادرات التغيير المؤسسي تتطلب سلوكيات أو مهارات أو جدارات جديدة من القادة؛ وهكذا يتم تفعيل العمليات لتطوير وتدعيم هذه القابليات الجديدة لدى القادة.
4. مجال التطبيق
ان جهود ومحاولات التأكيد على الأهمية الحاسمة والحرجة لبناء قادة المستقبل بالنسبة إلى استدامة المؤسسة تؤدي إلى خلق مؤسسات عالية الأداء من خلال تسخير الإمكانيات القيادية لدى الأفراد. وجدير بالذكر ان بناء قادة المستقبل هو عملية تسير بشكل متوازي مع حقول العمل المؤسسي الأخرى، وخصوصا تخطيط التعاقب الوظيفي، وإدارة الأداء والمواهب. وبسبب تميز هذه العملية بمجال تطبيقي واسع، لا يوجد هناك نموذج بسيط أو نموذج واحد لتطوير القادة. وتحقق المؤسسات النجاح الأكبر عندما تعمد إلى تكييف أنظمة تطوير القادة لديها مع وقائع العمل وتمييز مسألة ان استراتيجيات نمو القادة تتغير مع تغير طلبات المؤسسة. ويبدو ان عملية بناء قادة المستقبل تشتمل على المكونات التالية:
· التوجه نحو الواقع العملي. تميل أفضل أدوات بناء قادة المستقبل إلى ان تكون عملية وفعالة لحلول الأعمال الحقيقية والواقعية، وهذا هو سبب كون التعلم التجريبي والتعلم التطبيقي هو من بين أفضل ممارسات التطوير القيادي التي تتبناها المؤسسات ذات الأداء العالي المستوى.
· التركيز الاستراتيجي. هناك تقارب وثيق جدا بين إستراتيجية الأعمال وتطوير القيادة، وهذا هو سبب كون الرعاية والمشاركة التنفيذية مهمة جدا لنجاح المؤسسة. هذا وان المبادرات في بناء قادة المستقبل تعزز من القدرة على تنفيذ إستراتيجية الأعمال.
· التكامل مع الأنظمة المؤسسية. يجب عدم النظر إلى عملية وجهود بناء قادة المستقبل على انها محاولة مستقلة بذاتها، حيث ان تنمية وتطوير القادة تكون أفضل عندما يكون هناك ارتباط ما بين تطوير القادة والمكونات الأخرى لإدارة المواهب- كالاستقطاب، والاختيار، وتخطيط التعاقب الوظيفي.
· تصاميم التعلم المتعددة الأبعاد. تميل مناهج التطوير القيادي الأكثر فاعلية إلى تغطية مجموعة متنوعة واسعة من آليات التقديم وأساليب التعلم؛ وتشتمل هذه المناهج على عناصر تصميم مرنة تسمح للمؤسسات باستهداف مداخلات التعلم التي تتسم بالواقعية.
الأهداف
يمكن استخدام عملية بناء قادة المستقبل لتحقيق تشكيلة متنوعة من الأهداف، علما ان بعض أهداف العملية هي:
أ. توسيع قدرة وقابليات الأفراد على ان يكونوا فاعلين في العمليات والأدوار القيادية؛
ب. تطوير رعيل متميز من القادة ضمن المؤسسة أو المجال؛
ج. تمييز وإعطاء الصوت إلى مجموعة ظاهرية و/ أو خفية؛
د. تقوية وتدعيم قابليات فرق العمل في تحسين النتائج المؤسسية؛
هـ. دعم عملية إنشاء مؤسسات جديدة أو مداخل أو منهجيات جديدة للقيادة؛
و. تشجيع التعاون بين الوظائف والقطاعات والصناعات؛
ز. جذب المواهب والاحتفاظ بها؛ حيث تعمد المؤسسات الناجحة إلى جذب الأشخاص الناجحين؛ وان المؤسسات التي تقيّـم رأس المال البشري تعترف بان الاستثمار في موظفين على مستوى عالي من الإمكانيات يشكل مفتاح أساسي للحفاظ على الميزة التنافسية في السوق؛
ح. إعداد قاعدة مهمة من القادة الذين بمقدورهم الإسراع والتعجيل بعملية التغيير في المؤسسات والمجتمعات لمعالجة القضايا والمشاكل الأساسية.
Комментарии