المؤسسات المعاصرة المتميزة في الأداء تدرك بان مستوى جودة الشركة يكمن في مستوى جودة أداء موظفيها. وتؤكد هذه المؤسسات كثيراً على الخواص الشخصية في اختيار وتطوير العاملين. غير أن ذلك لا يحدث من دون مواجهة تحديات مثل وجود فجوات (كبيرة) في الخبرة أو المعرفة أو المواقف أو المهارات أو الطموحات أو السلوكيات أو القيادة المطلوبة لتأدية الأعمال والوظائف المطلوبة. وهنا تكمن أهمية دورات التدريب الرسمية، حيث أن الموظفين من غير المحتمل أن يوسّعوا من إمكانياتهم ويستغلوها بالكامل دون وجود إرشاد وتوجيه حقيقي يمثل عنصرَ الهامٍ وطموح يغرس الطاقة ويسهّل مجريات العمل.
وفي الألفية الجديدة، تعتبر برامجُ التدريب/ التوجيه والإرشاد طريقةً فعّالة جداً لمساعدة الأفراد، من خلال الكلام والتحدث معهم، في زيادة التوجيه الذاتي، واحترام الذات، والفعالية، والانجازات.
الإرشاد فرصة ومخاطرة في نفس الوقت؛ فهو إلى حدٍ كبير عبارة عن عملية تعليمية تبدأ بتربية الوالدين للأطفال والاستمرار طيلة دورة حياة العلاقات المؤسسية والشخصية. والمبدأ الرئيسي المهم في هذه المنهجية هو أن الإرشاد يمثل التزام ومسئولية من قبل القيادة. ومن خلال عملية الإرشاد، تصل حكمة المسئول وخبرته إلى الموظف الأصغر. وتشتمل هذه العملية على تمرير ومناقشة المبادئ والتقاليد والقيم المشتركة والجودة والدروس المستفادة. ويوفر الإرشاد إطار معين لإحداث تغيير ثقافي بالطريقة التي ننظر من خلالها إلى التطوير المهني لقادة المستقبل الأكْفاء والجديرين. وفي معظم المؤسسات اليوم يكون الطريق للوصول إلى القيمة صعباً وشاقّاً، وليس بمقدور الشخص أن يصل إلى القمة ببساطة. والإرشاد هو طريق رئيسي لمساعدة الأفراد في الوصول إلى وجهتهم المقصودة.
وربما يعتبر الإرشاد الطريقة الأقوى التي يستطيع من خلالها قادة المؤسسة صياغة شكل المستقبل. وقد أصبح مصطلح الإرشاد كلمة محيرة، وغالباً ما تطلق في الهواء من دون مبالاة من خلال استخدام قاموس غير رسمي وغير خطي لأولئك الذين يعتبرون أنفسهم حاذقين في مجال القيادة والإدارة الحديثة. غير أن الإرشاد الحقيقي، والذي يفهم بشكل مناسب، هو أكثر بكثير من مجرد مفردة تخصصية مؤسسية أخرى. ومن دون دراسة عميقة للإرشاد، فان قابلية الفرد على الإرشاد تتحدد بآفاق خبرته الخاصة فقط. وهكذا، فانه حرفياً يعني جهاز موقوت يسمح للأفراد بان يكون لهم تأثير عميق لسنوات عديدة. ولا خطر في أن نقول بان الإرشاد يمكن أن يُحدِث فرق كبير ومهم في حياة الأفراد.
2. الغرض
يمكن لبرامج الإرشاد أن تلبي أغراض اجتماعية وفردية. وحريٌّ بنا النظر إلى نموذج الإرشاد على انه يلبي أجندات تكميلية حتى يتسنى أن تكون الفوائد التي يحصل عليها متلقو الإرشاد منسجمةً مع هدف إضافة القيمة إلى الثقافة الأكبر التي تحدث فيها العلاقة ما بين المرشد ومتلقي الإرشاد.
إن المؤسسات التي تقع ضمن الفئات الواسعة من مؤسسات الأعمال والمؤسسات الحكومية والمؤسسات غير الهادفة للربح أيضا، يمكن أن تتمتع بأرباح ومكاسب في الإنتاجية من خلال زيادة جدارة وثقة متلقي التدريب الذين يقعون تحت رعايتها، والذين يواصلون العمل والأداء كأعضاء يمتازون بالأهمية والقيمة الكبيرة ضمن صفوف العاملين.
وهناك مؤسسات أخرى، كالمؤسسات التعليمية التي تقوم بتنفيذ برامج للطلبة، يمكن أن تقوم بتضمين نموذج التعلم الإرشادي في الرسالة الأكبر التي تتمثل في توعية وتثقيف وتعليم المواطنين ذوي الانجاز الشخصي والمعنيين اجتماعياً.
على انه من المنظور الخاص بمتلقي الإرشاد، فان السبب الرئيسي لقيام المؤسسة بإنشاء برنامج إرشادي يجب أن يكمن في المزايا والفوائد التي تتحقق للمتعلم البالغ (متلقي الإرشاد). وهذه نظرة صحيحة وسليمة للإرشاد، لكنها تأتي مع التزام معين، وهو أن متلقي الإرشاد الذين يتوقعون أن يكونوا مستفيدين رئيسيين يجب أن يكونوا كذلك مستعدين لتحمل مسئولية كبيرة عن الممارسة النشطة والحصول على جميع الفرص الخاصة بالتطوير المهني والشخصي التي يوفرها المرشدون وموارد البرامج.
وفي البيئات المؤسسية، توجد هناك أربعة أنواع مختلفة من عمليات الإرشاد المنظمة التي لكل واحدة منها غرضها الخاص:
أ. انتقال الأدوار
التغيير مهم وحيوي للصحة المؤسسية، حيث تناط بالمدراء مناصب ووظائف جديدة بشكل دوري ومتكرر. وعادة ما تكون انتقالات الأدوار الناجحة سريعة وسلسة. ومن اجل استمرارية العمليات اليومية واستدامة الإنتاجية، يقوم المدير المتمرس بإرشاد خليفته لفترة قصيرة من الزمن خلال مرحلة انتقال الأدوار.
ب. الإرشاد الداخلي
يعتمد نجاح المؤسسات والبرامج والمشاريع على توفر وجاهزية المعارف والمهارات المهمة للرسالة والتي يوفرها عاملون على درجة كبيرة من المهارة وسهولة الوصول إليهم. إن عمليات الإرشاد الداخلية تمكّن المؤسسات من إيجاد موظفين جدد لغرض الإسراع بالعمل وإضافة أعضاء جدد لفرق المشاريع وإضافة مرشدين جدد إلى برامج الإرشاد الحالية.
وفي علاقة الإرشاد الداخلي النموذجية، يتم تحديد موظف جديد إلى موظف ذي خبرة وممارسة أكثر بحيث يوفر الأخير الإرشاد والتوجيه والدعم خلال فترة الثلاثة إلى الستة أشهر الأولى من عمل الموظف الجديد في الشركة. وتجدر الإشارة إلى أن منهج عملية الإرشاد الداخلي عادة ما يتضمن مواضيع مثل المعلومات حول المجتمع المحلي، وتاريخ الشركة، والخدمات الاجتماعية، والثقافة المؤسسية، والسياسات المهمة، وفوائد ومزايا الموظفين، فضلا عن المعلومات المرتبطة بالوظيفة مثل تدفقات العمل والمعلومات الخاصة بالمشاريع. وتكون علاقة الإرشاد الداخلي كاملة ومتكاملة فقط عندما يتفق كل من متلقي الإرشاد، والمرشد، ومدير متلقي الإرشاد على انه قد تم تحقيق الأهداف ويكون متلقي الإرشاد مرتاحاً ومنتِجاً في البيئة المؤسسية الجديدة.
والإرشاد الداخلي هو ليس فقط للموظفين الجدد؛ فالأفراد الجدد لبرنامج معين يحتاجون أيضا لمعرفة وتعلم ادوار جديدة واحتواء والتمكن من معلومات جديدة. وبنفس الشاكلة، فان جميع الأعضاء الذين يلتحقون بفريق إرشاد منظم للمرة الأولى يجب أن يستكملوا عمليةَ إرشادٍ داخليٍّ منظمةً ومختصرة، لتحقيق المعرفة والتمكن من جدارات الإرشاد الأساسية ومعرفة الأدوار والمسئوليات الخاصة بفريق الإرشاد المنظم.
ج. نقل المعرفة
تفيد الدراسات إلى أن المؤسسات التي لديها برامج إرشاد جيدة من المحتمل أكثر أن تجتذب وتحافظ على الموظفين الواعدين، علماً أن برامج الإرشاد المنظمة تمكّن المؤسسات من توظيف موظفين متميزي الأداء والإبقاء عليهم في وظائف توفر تحديات مهمة أكثر ومسئولية اكبر.
إن احتواء ونقل المعرفة الفنية المهمة لرسالة المؤسسة يشكل قلقاً خطيراً عندما يغادر الخبير المتمرس منصباً رئيسياً ليتقاعد أو ليمارس فرص أخرى. وقد تكون هناك حاجة أيضا إلى نقل المعرفة عندما يكون عدد الخبراء الذين لديهم مجموعة معينة من الجدارات صغيراً جداً وان الطلب على الخبرة المعنية هو أصلا طلب كبير جداً أو انه يتزايد باضطراد.
إن النقل الفعال للمهارات والمعرفة الحرجة للعمل يبقى على قائمة المطلوبات لدى معظم المؤسسات. وعلى أساس هذا السيناريو، تلتقي ثلاثة اتجاهات رئيسية لتُكوّن الشعورَ بالحاجة الملحة: أولاً، واستجابة للنمو الحاد والمتزايد، تحرص المؤسسات على توظيف أعداد كبيرة من الموظفين الجدد. وثانياً، يتم تدوير الموظفين الأكثر خبرة والأكثر ممارسة لتغطية الوظائف والمناصب ذات الأولوية الكبيرة. وثالثاً، أن رحيل أعداد كبيرة من العمالة الخبيرة جداً يتطلب تخطيطاً وإعداداً وتوقيتاً مناسباً. وبناءً على ذلك، تحرص المؤسسات على الاستثمار في برامج التدريب، وإدارة المعرفة، وتطوير الأفراد، والإرشاد. غير انه لا توجد هناك حلول بسيطة أو معالجات سريعة. ومن خلال محاولة الإبقاء والحفاظ على الخبرة الفنية الحرجة لرسالة المؤسسة، ونقل المهارات والمعرفة الضمنية والمعنوية، تقوم المؤسسات بتنفيذ برامج إرشاد منظمة تسمح بالنقل الفعال والمؤثر للمعرفة الفنية العميقة، بالإضافة إلى برامج التدريب والتوجيه الإبداعية.
د. التقدم الوظيفي
عندما يدعم المرشدون متلقي الإرشاد في تطوير الأهداف الوظيفية، أو المهنية، أو القيادية، يتم الحرص على تنظيم وهيكلة عملية الإرشاد لتشمل تشكيلة متنوعة من المجالات التي تحتاج إلى التطوير. وتقع معظم عمليات الإرشاد هذه ضمن هذه الفئة. وكثيراً جداً ما تستخدم عمليات الإرشاد ضمن إطار التقدم الوظيفي بهدف إعداد مدراء كبار ومدراء تنفيذيين لمناصب مختارة. ونموذجياً، تكون عمليات الإرشاد ضمن إطار التقدم الوظيفي كبيرة من حيث مجال التطبيق وتمتد إلى سنوات متعددة.
Comments